Thursday, March 25, 2010

AL-HAYAT: excerpt of THE FABRIC OF CERTAINTY translated by AIDA Y. HADDAD


AIDA Y. HADDAD's translation of an excerpt from BALCONIES appeared in Al-Hayat - March 17th, 2010

نسيج اليقين  في ذكرى مي غصوب

الاربعاء, 17 مارس 2010
مشكا مجبر موراني

غادرتنا مي غصوب قبل عامين، وما زال غيابها ملموساً كجرح طري لم يندمل، وما زالت جزءاً من حاضرنا.

خلال الحرب الاسرائيلية على لبنان في تموز (يوليو) 2006، بقينا على اتصال من خلال البريد الالكتروني والرسائل الفورية. كانت دار الساقي للنشر على وشك أن تصدر احدى قصصي في «حكايات - مجموعة قصص قصيرة كتبتها نساء لبنانيات». وقصتي كانت من دفتر يومياتي عن الحرب والندوب التي تخلّفها، كما عن المصالحة والتئام الجروح. ثم اندلعت حرب تموز 2006. هكذا استمررت في كتابة يومياتي، مرة أخرى، عن حرب أخرى.

اليوم الأول

مجرد صباح آخر، فيه دفء تموز ورطوبته. انتهى العام الدراسي قبل أيام قليلة. أدير التلفزيون «أغلق مطار رفيق الحريري الدولي بعد تعرض احد مدرجاته لقصف اسرائيلي». استيقظت بيروت على أخبار الاعتداء على المطار. وتعرضت مناطق في جنوب بيروت وجنوب لبنان الى قصف أوقع 20 اصابة.

كانت أختي قد حضرت مع عائلتها لقضاء عطلة الصيف في لبنان، إضافة الى سبع عائلات أخرى من أصدقائهم، حضروا من أماكن مختلفة في الولايات المتحدة الأميركية ليلتقوا في المكان نفسه للمرة الأولى منذ سنوات، في لبنان خلال فترة الصيف.

على طاولة في الوسط جريدة محلية نشرت في عنوانها الرئيسي ما تداولته الصحافة الأجنبية «بيروت واحدة من أول عشرة أماكن يقصدها الناس». وتحت العنوان ورد تعليق لأحد المسؤولين في وزارة السياحة «يتوقع حضور مليون سائح الى لبنان هذا الصيف».

ماذا سيحدث لهم، أتساءل، كيف يغادرون؟

وماذا سنفعل نحن؟

كل شيء معلق في الهواء. لا شيء أكيد... مرة أخرى. ما إن بدت الأشياء توحي بالأمان وصارت الأمور اليومية شيئاً مسلّماً به... يتمزق نسيج اليقين.

اليوم الثاني

بعد ظهر اليوم ألقى الإسرائيليون قذيفة على مدرستنا. ذهبت الى حرم المدرسة مساء لأرى مدى الأضرار التي أصابت ملعب كرة القدم. كان الدمار محدوداً، فالقذيفة كانت عبارة عن وعاء ملأه الاسرائيليون منشورات دعائية، تركت حفرة في الملعب ومئات الأوراق. ذكرى أليمة للمنشورات التي ألقوها فوق بيروت أثناء الاجتياح الاسرائيلي عام 1982.

أثناء وجودي في المدرسة، قامت زوارق اسرائيلية بقصف ميناء بيروت الذي لا يبعد عن بيتي أكثر من 500 م، كما قصفوا المنارة وموانئ صور وصيدا وجونيه وطرابلس. وصلت البيت مهزوزة مضطربة. كانت ليلة هادئة حتى الآن.

اليوم الثالث

أمضيت الصباح في المدرسة للتأكد من سلامة حرمها وأمنه، وكي أنظّم حملة جمع الطعام والمؤن، وقد عبّر الكثير من أساتذتنا وموظفينا الذين كانوا هناك عن استعدادهم للمساعدة في أي مجال. أرسل «ايميل» الى مكتبنا في نيويورك:

كل شيء على ما يرام في بيروت. زرت حرم عين عار بعد ظهر أمس، وحرم رأس بيروت حتى ساعة متأخرة نسبياً: كل شيء على ما يرام. سأبقى على اتصال.

مع تحياتي مشكا

اليوم الرابع

استيقظت باكراً وأدرت التلفزيون، وبدأت أمارس طقوس الصباح، أرتشف القهوة وأنا أغيّر القنوات بين محلية وعالمية. «الأوضاع في بيروت هادئة هذا الصباح بعد قصف ليلي...». يعاودني هذا الشعور بشيء يقبض على أحشائي... لم أشعر به منذ 15 سنة، ولم أنسه... ان ذكرى الحرب تتخدر مع الوقت ولا تمحى.

انزلقنا الى حالة حرب من دون أن نعي. كنا نتناول العشاء على بلكون أمي، وعائلتنا الموسعة اجتمعت للاحتفال بوصول أختي وعائلتها من الولايات المتحدة الأميركية. وفي صباح اليوم التالي، وجدنا أنفسنا في حالة حرب. قصف الاسرائيليون مطار دولة ذات سيادة. هكذا ببساطة. لقد دفعنا ثمن حرب وعنف خلال خمس عشرة سنة طويلة. وبقينا على قيد الحياة لنشهد جولة إثر جولة ومرحلة بعد مرحلة من هذه الحرب الشنيعة التي ابتلعت معظم سني الشباب. والآن؟ أيعقل هذا؟ أن يعيش المرء حربين في عمر واحد؟

لا أذكر انني كنت دائماً خائفة طيلة الخمس عشرة سنة من الحرب. إحدى الفترات التي خفت خلالها فعلاً كانت في يوم في حزيران (يونيو) 1982. أذكر انه كان يوماً حاراً وأن أهلي كانوا قد غادروا البيت باكراً. جلست في غرفة الطعام أقصّ قطعة قماش بحسب نموذج للخياطة حين سمعت أزيز طائرة، أكثر من طائرة، أدركت أنها طائرات اسرائيلية. كان بيتنا في الطابق السادس في بناية مكونة من سبعة طوابق. شعرت بأحشائي تتقلص، عرفت كالحيوانات التي تحدس بوقوع هزة أرضية قبل وقوعها، انني لا أستطيع البقاء وحدي في الشقة التي يعلوها طابق واحد فقط. رميت كل شيء من يدي وهرعت الى السلالم. أين أذهب؟ لم أكن أعرف، فلا يوجد دور تحتاني في العمارة. قابلت بعض الجيران الذين وقفوا على منبسط الدرج في الطوابق السفلية «ابقي هنا» قالت السيدة ن. جارتنا في الطابق الرابع، «فثمة حائطان بيننا والخارج، وثلاثة طوابق فوقنا». هذا النوع من الحسابات، مهما بدا غريباً، كان معياراً متعارفاً عليه في بيروت 1982 بعد سبع سنوات من الحرب. فأينما ذهبت لزيارة أحد، تحدد تلقائياً عدد الحيطان التي تفصلك عن أي قصف محتمل. كانت السيدة ن. على حق، فهذه خطة جيدة.

استمرت الطائرات بهديرها المنبعث من كل مكان في التحليق في سماء بيروت. حضّرت السيدة ن. القهوة.

اليوم الخامس

أفقت باكراً وهرعت الى روتيني، القهوة، التلفزيون، الايميل. صار عندي روتين إذاً، لعل الروتين يضفي شيئاً من الطمأنينة، مثل تلك العرائض على شبكة الانترنت التي نرسلها الى الأمم المتحدة وأي جهة أخرى قد تتأثر بما يحدث وتفعل شيئاً ازاء هذا الرعب الذي جعل وطناً كاملاً تحت الحصار. وكان روتيني أثناء فترة الحرب أن أنهض عند الفجر، فغياب الوعي اثناء النوم ترف لا قدرة لي عليه. اليقظة هي كل شيء. فجأة، اهتزت الشقة من دوي انفجار كان من القوة بحيث ان العمارة كلها ارتعدت. ركضت الى الرواق وابنتي بين ذراعيّ. يضمّنا زوجي معاً. «الانفجار قريب جداً».

من شباك المطبخ رأينا كتلة دخان أسود، لعل مصدرها ميناء بيروت الذي تطل شقتنا عليه... انفجار ثان يجعلنا ننكمش في الرواق ثانية. كان الانفجار الثالث أبعد قليلاً.

ترتجف طفلتي بين يدي من دون أن تقول كلمة. ترفع نظرها اليّ فأرى أن عينيها صارتا عيني شخص راشد. تمسكني من كتفي: «عديني أنك ستأخذينني بعيداً من هنا».

«لا تقلقي، سأفعل». «عديني» تمسّني تعابير وجهها في الصميم. «أعدك».

(مقاطع من نص طويل)

1 comment:

  1. قد يكون الوقت الذي نطلّ فيه على شرفة الواقع المرير من أصعب الأوقات .. ولكننا نستطيع أن ننهض من جديد لأننا قادرون دائماً على الحلم ؛ ولن يستطيع أحد أن يسرق أحلامنا ... داغر مهنا

    ReplyDelete